الجالية السورية في الصين

د. يسار خضور معماري سوري ينقل الثقافة السورية للأبنية الصينية.

معماري سوري ينقل الثقافة السورية للأبنية الصينية.

معماري سوري ينقل الثقافة السورية للأبنية الصينية.

متابعة المهندسة هناء صالح
طريق النجاح دائما يبدأ من الخطوات الصغيرة التي تكبر لتصبح أحلام واقعية ، حكايتنا يحكيها شاب طموح حالم أراد من خلال اختصاصه بالتصميم المعماري أن يقول نحن السوريون أبناء حضارة بكل مجالات الحياة ، دكتور يسار يعقوب خضور لنتعرف على مسيرتك العلمية والمهنية؟

معماري خريج جامعة تشرين 1998 م حاصل على الماجستير ثم الدكتوراه في تخطيط وتصميم المدينة سنة 2009 م من جامعة خواتجون (وسط الصين) للعلوم والتكنولوجيا في مدينة ووهان.

– متى راودتك فكرة السفر ولماذا اخترت الصين ؟
طالما داعب السفر احلامي منذ الطفولة متأثراً بمحيط العائلة والاصدقاء، اعتقد ان فكرة السفر اول ماظهرت خلال بحثي عن موضوع للتخرج في السنة الخامسة كلية العمارة حيث قفزت في راسي فكرة غريبة اسميتها ” نداء البحر المتوسط” لتكون مرتكزا لمشروع التخرج، نداءا كان يسمعه الفينيقيون للابحار والسفر عبر المتوسط.

لاحقا كان قرار العمل (في مديرية التخطيط العمراني) مع زملاء تخرجوا من دول الشرق والغرب من اهم محفزات فكرة السفر واستطيع ان اقول :نضجت فكرة السفر عندما مر في الذاكرة ذلك الجزء من شريط الترحال من قرية “بيت ياشوط” الى مدينة “جبلة” الصغيرة الوادعة الى مركزالمحافظة “اللاذقية” ثم الى العاصمة “دمشق” حيث تبرعم قرار السفر فيها، فكانت الوجهة مدينة “ووهان” مسقط راسي الثاني وعاصمة مقاطعة خوبي ثم لاحقا الى “بيجين” ، ميجا ميتروبوليس ذات ال 24 مليون ساكن.

اما الان فانتظر قرار العودة الى القرية ذاتها التي تغيرت كثيراً، بذلك تكون تحققت مقولة الصينين: “ان الورقة تعود الى جذرها”.

أما لماذا الصين، فلعله تأثراً بمجلة اسمها ( الصين المصورة) التي كان يقتنيها اخي الكبير بشكل دوري في ثمانينات القرن الماضي، كانت مجلة ساحرة بطباعتها البسيطة وصور الطبيعة، و كانت اول اتصال بصري مع الصين ومع الرسم لطفل بعمر ال 8 و 9 سنوات تعززت فكرة السفر الى اقصى الشرق لاكشافها من منطلق أن معظم اساتذتنا للتصميم المعماري والتخطيط من مدارس الغرب واتجاهاته، حصلت على المنحة لدراسة الماجستير بمنحة بين الحكومة السورية والحكومة الصينية وكان السفر.

– ماعملك الحالي في الصين ؟
أعمل حاليا كاستاذ مساعد في جامعة شمال الصين للتكنولوجيا في مدينة بكين، حيث ادرّس مادة التصميم المعماري والتخطيط الحضري لطلاب السنة الرابعة و طلاب الماجستير وامارس التصميم المعماري بالتعاون مع مكتب محلّي للتصميم، اضافة للمشاركات الدورية في مشاريع التخرج ولجان التحكيم.

بعد نيل شهادة الدكتوراه عملت كباحث زميل في كلية العمارة في جامعة تشنخوا لبحث يتعلق بالابنية الطينية في سوريا والهوية المعمارية والعمرانية للقرى، استمريت بهذا البحث الى الان بعد ان طورنا الفكرة لنقوم بالتصميم المعماري بناءاً على متطلبات البيئة باستخدام التقنيات البيئية المحلية نستطيع ان نسميها Low-tech .

– بماذا تتميز الأبنية الطينية وأهم خصائصها؟
الأبنية الطينية بكل انواعها تشكل مكان حيوي وبيئي وسكني للانسان يتعايش فيه بشكل متناغم مع المحيط الحيوي وهي ذات استدامة عالية و قليلة الكلفة مقارنة بمواد البناء الاخرى كما أنها قليلة الكلفة من نواحي التهوية والتدفئة فهي ذاتية التكييف كونها تحقق المستوى الحراري المناسب للانسان في فراغ معماري، وهي مقاومة للزلالزل والعوامل الطبيعية الاخرى.

تعاني الابنية الطينية في سوريا و العالم من نظرة دونية بسبب التاريخ الفقير والمرير الذي مر به سكانها لذلك نجد أن فكرة العيش في أبنية طينة لاتلقى قبولاً، علماً انها تضاهي الابينة البيتونية او ذات الهيكل المعدني بجماليتها لذلك هي الان نزعه او رؤية اكتر منها حاجة.

– حتى نتعرف على مجتمع يجب معرفة ثقافة شعبه
كيف تأقلمت مع المجتمع الصيني وهل من صعوبات واجهتك بالمغترب؟

المجتمع الصيني مجتمع متعدد الثقافات، متمسك بثقافاته واصالته واستمراريتها مما يجعل التاقلم والتعايش معه من اكبر الصعوبات التي تواجه المغترب، فاللغة والطعام والشراب والتصرفات في الاماكن العامة والمبادرة بالحديث وتفاصيل الحياة اليومية من أكثر نقاط الاختلاف التي يجب التكيف معها واحترامها وإلا سيبقى المغترب على الهامش ولن يدخل بتفاصيل الحياة الصينية اليومية، والمفتاح لدخول هذا العالم الرحب والواسع هو تعلم اللغة الصينية.

الاغتراب تجربة غنية ومتشعبة أثرت معلوماتي ومهاراتي بالتعامل مع الاخر وفهم رويته وثقافته وقبوله، الاهم في الاغتراب هو اللقاء بين حضارتين مختزلتين بشخصين او طرفين وبقدر مايكون التشبع الثقافي والاجتماعي -على كل الاوجه- عالي عند كل طرف تكون دوائر اللقاء والتقارب اوسع. فنحن وبسبب العمق التاريخي لحضاريتنا نتشابه مع الصينين بكثير من التفاصيل الحياتية كالخجل والأخلاق واحترام الأسرة والتفاني الوظيفي، والأهم قبول الأخر وهذا ما يكشف زيف الدعايات الغربية لجهة التضييق على الحريات الدينية في الصين.

– كل إنسان له بصمة وأثر بالوسط المحيط ما أهم مشاريعك وأثرها في المجتمع الصيني؟
عملي في التصميم المعماري في الصين وبكين تحديداً أغنيا رؤيتي وزاداها عمقاً لان العمارة هي انعكاس مباشر للثقافة بكل مستوياتها حيث تتدخل بكثير من التفاصيل في الفراغات العمرانية بل في بعض الاحيان تغير الفكرة التصميمية من جذورها، وتحديدا عندما تكون الاعمال التصميمة على مستوى شراكات صغيرة بالتالي قريبة الى حياة الناس ورؤاهم اليومية، وهنا تحديدا يجب ان تتعمق بفهم الثقافة المحلية لتنجح في مهمتك التصميمية.

واجهت كثيراً من المشاكل المعمارية -واقصد عدم ملائمة الفكرة مع المجتمع وثقافته- أثناء قيامي بالتصميم هنا في الصين من وجهة نظر المواطن الصيني، فأنا كمعماري أحمل لاشعوريا الارث المعماري والثقافة السورية او بشكل اوسع المتوسطي مع العربي مع الاسلامي كطرازات معمارية فكان لابد من التروي، هذا التروي ادى لقبول الاخر وفهمه وفهم ثقافته وهذا ما أغنى رؤيتي المعمارية وميزها قبل وبعد.

كانت اول مشاريعي في الصين انجاز التصميمات الداخلية وتصميمات الواجهات المعمارية لمبنى في مدينة دولون وهي مدينة صغيرة في مقاطعة منغوليا الداخلية، كان التحدي الاهم كيفية تحويل مبنى بسيط معماريا لنقطة علاّم في المدينة حيث استطعنا كفريق عمل تحويل البناء الى نقطة علاّم معماري مع ساحات عمرانية وتناغم فراغي داخلي ممتد للخارج مشكلاً مع الوحدة الزخرفية المتكررة في الواجهه انعكاساً لهوية المدينة، فالوحدة الزخرفية التي استخدمناها عبارة عن تطوير لرسم (نقشة) وطراز محلي في المدينة او الاقليم مع اضافة بعض اللمسات الزخرفية السورية لتؤكد امتداد الثقافة المحلية ولقائها مع المتوسطية العربية، اما النقطة الاخرى فهي اللون حيث كان اختيار لون الغروب او الشروق الارجواني اللطيف المميز لبدايات ونهايات النهارات في منطقة السهوب لمقاطعة منغوليا الداخلية.

كما أود أن اشير لمشروع مميز أخر وهو انجاز التصميمات الداخلية والخارجية مع الفراغات العمرانية والمباني الملحقة ل ( قرية المال والاعمال) في جنوب الصين مدينة سانيا حيث تحايلنا على المبنى القديم لتطوير فراغاته وتحسين الانتقال والاتصال البصري بين فراغاته بما يتناسب مع الوظيفة الجديدة، اضافة الى امتداد خارجي للمباني الجديدة من فندق ثلاث نجوم وساحات عمرانية، الجانب الهام بالفكرة التصميمية للمباني المضافة هي استخدام وسائل العمارة البيئية والخضراء وتطبيقاتها البسيطة من مباني نصف مغمورة الى التهوية الذاتية والتظليل الجيد للواجهات مع استخدام مقاييس معمارية وعمرانية تلائم المستخدم وتشعره بفراغ اليف ولطيف.

وفي الصين معروف باسم غاو لونغ Gao long

– ماهو الحلم الذي حملته معك من بلدك وهل تعتقد انك نجحت بتحقيقه أو بتحقيق جزء منه؟
بالنسبة للأحلام فهي كثيرة منها ما يتعلق بالقدوم الى الصين ومنها ما يتعلق بالعودة الى سورية، فالأحلام بالنسبة لي سلسلة متتالية فالقدوم للصين فتح ابواب واسعه من تعلم اللغة الصينية وبالتالي فهم اوسع لهذه الحضارة الممتدة والمستمر على هذه الارض، والحصول على شهادة الماجستير في تخطيط وتصميم المدينة (كان الحلم دراسة التصميم المعماري) تلاه حلم الدكتوراه وتحقيقه “مع ملاحظة انها مفتاح للتدريس في الجامعات السورية مستقبلا”، ثم ابحاث التصميم المعماري والدراسات المعمقة بعد الدكتوراه التي اعادتني الى التفكير المتوازن مع البيئة بكل شي وهكذا استمرت سلسلة الاحلام بالتحقق على مراحل في الصين واخرها الحلم الذي اعيشه الان هو وقوفي كل صباح امام طلابي في قسم التصميم المعماري معلنا بدء اربع ساعات من الحوار لتحسين وتطويروتعميق فهمنا لكل فكرة معمارية يقدمها الطلاب.

بالنسبة لأحلامي الخاصة بسورية فبعد تدوير كل الزوايا أحلم بالتدريس باي من جامعات القطر حيث سأكون ممتناً وسعيداً بنقل تجربة شخصية جديدة وطرق تفكير تخص التصميم المعماري، إذ علينا ان لاننسى بأن التصميم المعماري ومفهوم الفكرة المعمارية غائمة جدا وغير واضحة في المجتمع السوري بشكل عام لاسباب اقتصادية بالدرجة الاولى.

اما الحلم الاخر فهو دراسة وتصميم بناء ريفي من الطين وفقا لمبادئ التصميم البيئى المستدام ليكون مثالا لتشجيع الريفيين والقرويين للعودة الى مادة البناء الاكثر انتشارا والاقل تكلفة وهي الطين.

اضافة لبناء هذا البيت الطيني غالبا ما يراودني حلم ترميم بيت جدي طينياً وتحويله لمركز اجتماعي ثقافي “على مستوى الضيعة طبعاً” ليكون مشجعاً للعودة الى العمارة الطينية بالمناسبة انا انتمي لعائلة ثلاثة من اجدادي توارثوا فن العمارة “بمعنى البناء” وساكون سعيدا اذا استطعت ان اكمل مسيرتهم.

اذا اتسعت دائرة الاحلام لدي أفكار تخص البناء البيئي السياحي وهذه تحتاج لمستثمرين صينين بما اني هنا في الصين.

أيضاً هناك حلم كبير يعالج موضوع الثقافة الصينية وتقديمها للمجتمع السوري من خلال انشاء مدرسة للمرحلة الابتدائية والاعدادية قد يكون مشروعاً خاصاً او مشتركاً، لكن للاسف يوجد بعض المعوقات تؤخر عرض هذه الفكرة.

– طُرح موضوع تشبيك الجامعات الصينية والسورية أثناء زيارة السيد الرئيس للصين ما رأيك بهذا؟
تطورت الجامعات الصينية بشكل لافت للنظر حيث اصبحت تحوي مراكز بحثية تضم علماء وباحثين صينين واجانب, مما انعكس بشكل ايجابي على مناهجها التعليمية لذلك اعتقد ان التشبيك بين الجامعات السورية الصينية يشكل فرصة طيبة لجامعاتنا للاستفادة من تجربتها.

يمكن لبعض من درسو في الصين – انا منهم- واقامو علاقات صداقه مع اساتذتهم بتقديم يد العون ومساعدة الطرفين لتحقيق فهم اعمق وبناء تصور افضل لعملية التشبيك.

التبادل الثقافي والاكاديمي والتشبيك بين الجامعات الصينية والسورية فرصة واعدة لتطوير وجهات نظرنا علمياً وثقافياً وتوسيع دائرة الرويا والتفكير خاصتنا.وهو خطوة مهمة للعمل على كسر الحصار على سوريا ونوع من البدء بإعادة الاعمار.

– خلال زيارة السيد الرئيس للصين تحدث عن دور للمغتربين في المغترب أين ترى دور المغترب السوري خاصة حملة الاختصاصات والشهادات العليا؟
موضوع الاغتراب والمغتربين ومساهماتهم بسد الفجوات ومد الجسور بين المجتمع الام والمجتمع المضيف موضوع متشعب ومتعدد الاتجاهات ويمتد من الصعيد الشخصي ليصل الى العلاقات مع كل جزء من المحيط الاجتماعي.

فالمغترب مرآة لصورة بلده في كل تفصيل و بالتالي على المغترب ان يتذكر بأنه سفير لبلده وممثلاً لحضارتها وقيمها، ونحن كجالية سورية في الصين بحياتنا البسيطة والمتناغمة مع المجتمع الصيني بكل اطيافه الشعبية والعمالية والتجارية والاكاديمية نعمل باستمرار على اظهار قضية بلدنا بصورتها الحقيقة.

– اليوم يعول الكثير على الشباب السوري باني سورية الحديثة ما رأيك بالشباب السوري اليوم وماذا تنصحه ؟
يعاني شبابنا اليوم من ثلاثة معضلات:

1- أزمة فقد الايمان بالعلم والتعليم: عليهم أن يعرفوا أن القيمة الحقيقية للإنسان هي ما يحمله من علم وأخلاق، وهذا ما نلمسه بأي مجتمع متقدم.

2- أزمة ضعف الانتماء والتي تقود للرغبة بالهروب من كل شئ: أتفهم الظروف القاسية التي يعيشها الشباب السوري، لكن أتمنى أن يعلموا أن حالةً من الترقب تسيطر على شركات عالمية بانتظار لحظة اعادة البناء مما يؤكد أن بلدنا ستكون فرصة عمل ذهبية.

3- أزمة ما بعد الحرب: أرجو أن تبدأ مرحلة إعادة الاعمار لأنها ستكون البلسم لما عاناه شبابنا وشعبنا.

– بالختام كلمة أخيرة ؟
اعتقد باننا بحاجة لاعادة تثبيت دور العلم والعلوم فمعه نستطيع ان نمشي للامام ونعود لنواكب الامم الاخرى، مع ملاحظة تطوير طرائق التعليم وتوسيع دور الجامعات والمعاهد العلمية والتقنية.

وعطفا على موضوع التصميم المعماري احب ان اذكر ان التصميم المعماري موضوع مهم جدا في سوريا المستقبلية لان العِمارة امتداد للبيئة وبتطبيق قواعد بسيطة محلية نحقق قدر كبير من التقليل من الهدر وحفظ الطاقة وتوفيرها مما يساعد تطوير تحسين حياتنا بشكل عام .

كل الشكر للدكتور يسار ونفتخر بكل مغترب ترك بصمة تدل على سوريته وحضارته وانتمائه لبلد الشمس التي لاتغيب

د. يسار خضور د. يسار خضور مع طلابه الصينين د. يسار خضور يلقي محاضرة د. يسار خضور  د. يسار خضور يلقي محاضرة

 

لقاء تلفزيوني مع د. يسار خضور
(بصمة مغترب في هندسة العمارة في بلد الاغتراب الصين) د.م. يسار خضور – مهندس معماري صباحنا غير 2024/8/19

https://www.facebook.com/share/v/jckcQvYwK5yAfqN4/?mibextid=xfxF2i

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى